غايات ومقاصد فرائض الإسلام وشعائر خطبة الجمعه القادمة ان شاء اللة كما حددتها وزارة الأوقاف المصرية وهذه الخطبة قام بكتابتها فضيلة الدكتور مسعد الشايب حفظه الله ورعاه وهذه الخطبة ستلقى في تاريخ 16 من ذي الحجة 1443هـ الموافق 15 يونيه 2022م
أولا: العناصر:
- الغاية العامة والمقاصد الكبرى للفرائض في الإسلام.
• إقامة ذكر الله (عزّ وجلّ)، وإعلان التوحيد.
• تهذيب الأخلاق، وإعلاء القيم والسلوك.
• تربية ملكة التقوى.
2. الخطبة الثانية: (مقاصد وأهداف خاصة لطاعات وعبادات خاصة).
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي جعلنا من أمة خاتم الأنبياء والمرسلين، الحمد لله الذي هدانا لنعمة الإسلام وتوفيق الإيمان وحفظ وتلاوة آيات القرآن، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}، وأَشهدُ أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عَبدُه ورسولُهُ، أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، فاللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيه وعلَى آلِهِ وصحبِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ، وبعد:
(1) ((الغاية الكبرى، والمقاصد العامة للفرائض في الشريعة الإسلامية)
أيها الأحبة الكرام: الدين الإسلامي يتكون من فرائض أمر الله (عزّ وجلّ) بها، ونهى عن إضاعتها، كما يتكون من نواهٍ حرم الله (عزّ وجلّ) انتهاكها والتلبس بها، وقد فرض الله (عزّ وجلّ) الفرائض والشعائر في القرآن الكريم، وعلى لسان نبينا (صلى الله عليه وسلم) الكريم) لغايات سامية، ومقاصد وأهداف عالية، فقد جاءت كل فريضة وشريعة في الدين الإسلامي لغايةٍ وهدفٍ ومقصدٍ خاص، واشتركت جميعها في غاية كبرى، وأهداف عامة، وبيان ذلك كالتالي:
الفرائض جاءت لإقامة ذكر الله (عزّ وجلّ)، وإعلان التوحيد له، والقضاء على الشرك، وشعائر وعادات الجاهلية، فالله (عزّ وجلّ) ما خلق الإنس والجن إلا لتوحيده وطاعته وعبادته، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِمَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِإِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}[الذاريات:56ـ58]، وما أنزل الله (عزّ وجلّ) الفرائض والشعائر إلا لإعلاء هذا التوحيد وتمكينه في نفوس أتباع الأنبياء والمرسلين، والقضاء على الشرك وعادات الجاهلية.
فعلى سبيل المثال: المرء لا يدخل في الإسلام إلا بنطقه بشهادة التوحيد (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله)، والصلاة ما فرضت إلا لإقامة ذكر الله (عزّ وجلّ) ولا تكون إلا لله، ولا ندخلها إلا بإظهار العظمة لله، قال تعالى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}[طه:14]، أي: لا أحد يستحق العبادة سواي، وأقم الصلاة لتذكرني فيها، أو وأقم الصلاة بذكري, لأنه لا يدْخَلُ أحدٌ في الصلاة إلا بذكره تعالى، وهو قولنا: (الله أكبر).
ولا ننسى أن من سنن الصلاة قبل الدخول فيها الآذان، وعدد ألفاظه تسع عشرة كلمة، بدأت بإعلاء التوحيد والعظمة لله (عزّ وجلّ)، فنقول: (اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ)، وهذا إثبات لذات الله (عزّ وجلّ) ووجوده، وما يستحقه من صفات الجلال والجمال والكمال والتنزيه عن أضدادها من صفات العجز والنقص، أي: الله موجود وهو أكبر وأعظم من أي مخلوق، ولا يشهه أي مخلوق، ثم نقول: (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، وهذا إثبات للوحدانية والألوهية ونفي ضدها من الشركة بعد إثبات الوجود والذات، أي: لا معبود بحق إلا الله، وكما ابتدأ الأذان بإثبات الوجود، والتعظيم والتقديس، وإثبات الوحدانية والألوهية لله؛ كذلك خُتم بقولنا: (اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، وتلك إشارة إلى أن حياة الإنسان يجب أن تبدأ بذلك وتنتهي بذلك، وتكون في مراحلها بين ذلك، وفي مرضاة ذلك.
ولا ننسى أيضًا أن التكبير مع الشهادة بالتوحيد هما أساس الإيمان وهما عمدته التي لا يتحقق إلا بها، ويقدمان على كل وظائف الدين، قال تعالى: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}[يوسف:39]، وقال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}[الأنبياء:22]، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء:25].
والزكاة بأنواعها الواجبة والتطوعية، من معالم التوحيد لله (عزّ وجلّ)، فهي لا تخرج ولا تدفع إلا حبًا في الله (عزّ وجلّ)، لا تدفع لأوثان وأصنام، ولا تقدم كقرابين إلا لله، قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ…}[البقرة:177]، وقال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}[الإنسان:8]، والزكاة بأنواعها ما سميت صدقة إلا لأنها دليلٌ على صدق إيمان صاحبها، قال (صلى الله عليه وسلم): (…وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ…)(رواه مسلم).
وكذلك الصيام بأنواعه الواجبة والتطوعية، من معالم التوحيد لله (عزّ وجلّ)، فلم يعبد به أحدٌ من دون الله (عزّ وجلّ)، ولذا أضافه الحق سبحانه وتعالى إلى نفسه، فقال (صلى الله عليه وسلم): (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ)(رواه مسلم).
وحج البيت الحرام وما فيه من مناسك وشعائر أكبر معلمٌ من معالم توحيد الله (عزّ وجل)، ونفي للشرك وعادات الجاهلية، فالبيت الحرام من أول أمره رفع بناؤه على التوحيد، فالله (عزّ وجلّ) خاطب إبراهيم (عليه السلام) قائلا له: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}[الحج:26].
كما أن شعار الحج: وهو التلبية (لبَّيْك اللهم لبَّيك، لبيك لا شريكَ لك لبيك، إنَّ الحمد والنِّعمة لك والملك، لا شريك لك) تحقيق وإعلاء لتوحيد الله (عزّ وجلّ)، ومخالفة لما كانت تقوله قريش فقد كانوا يَقولون: إلاَّ شريكًا هو لك، تملِكُه وما ملَك.
وكان النبي (صلى الله عليه وسلم): يجهر بكلمة التوحيد في معظم شعائر ومناسك الحج، فعن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) في حديث الحج الطويل: (…فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِالتَّوْحِيدِ: (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ)، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) شَيْئًا مِنْهُ،….ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيْتِ فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}[البقرة: 158]، (نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ). فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِيَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَكَبَّرَ اللَّهَ وَوَحَّدَهُ وَقَالَ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ). ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَقَالَ: مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ رَمَلَ فِي بَطْنِ الْوَادِي، حَتَّى إِذَا صَعَدَ مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ، فَصَنَعَ عَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلَ مَا صَنَعَ عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ…)(رواه مسلم).
وخير الدعاء دعاء يوم عرفة: وهو أفضل ما قاله (صلى الله عليه وسلم) والنبيون من قبله، وهو كلمة التوحيد، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما)، أن النبي (صلى الله عليه وسلم قال): (خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(رواه الترمذي).
كما أن ألله (عزّ وجلّ) نهي النبي (صلى الله عليه وسلم) عن الإفاضة من عرفات كما كانت تفعل قريش في جاهليتها، فعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: (كَانَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ دَانَ دِينَهَا يَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ الْحُمْسَ وَكَانَ سَائِرُ الْعَرَبِ يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ ثُمَّ يَقِفَ بِهَا ثُمَّ يُفِيضَ مِنْهَا فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}[البقرة:199].(متفق عليه).
وعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: (واللَّهِ مَا أَعْمَرَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَائِشَةَ فِي ذِي الْحِجَّةِ إِلَّا لِيَقْطَعَ بِذَلِكَ أَمْرَ أَهْلِ الشِّرْكِ، فَإِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ وَمَنْ دَانَ دِينَهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِذَا عَفَا الْوَبَرْ وَبَرَأَ الدَّبَرْ وَدَخَلَ صَفَرْ، فَقَدْ حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ فَكَانُوا يُحَرِّمُونَ الْعُمْرَةَ حَتَّى يَنْسَلِخَ ذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ)(رواه أبو داود)، ففريضة الحج معلمٌ من معالم التوحيد لله (عزّ وجلّ)، والتبرؤ من الشرك وأهله، والتخلص من عادات الجاهلية.
كما أن فريضة الحج مليئة بذكر الله (عزّ وجلّ): قال تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍلِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}[الحج:28،27]، وجمهور العلماء على أن الأيام المعلومات هي العشر الأول من ذي الحجة، وقال تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ*فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}[البقرة:198ـ200]، وقال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[البقرة:203]،.
وعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ)(رواه أبو داود)، فالفرائض جاءت لإقامة ذكر الله (عزّ وجلّ)، وإعلان التوحيد له، والقضاء على الشرك، وشعائر وعادات الجاهلية.
كذلك جاءت الفرائض جاءت لتهذيب الأخلاق، وإعلاء القيم والسلوك في نفوس الأفراد والمجتمعات، فالغرض العام من بعثته (صلى الله عليه وسلم) هو تعليم صالح الأخلاق، وإتمام بنائها، الذي وضعه الأنبياء والمرسلون من قبله (صلى الله عليه وسلم)، فيقول الحق سبحانه: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[آل عمران:164]، الشاهد قوله تعالى: (َوَيُزَكِّيهِمْ) أي: يطهر أخلاقهم، وسلوكهم، وأقوالهم، وأفعالهم، بالإرشاد والتعليم لمكارم الأخلاق، وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أنّ النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ)(رواه أحمد).
كما أن التحلي والتجمل والتزين بمكارم الأخلاق هو ثمرة أداء الفرائض والطاعات والعبادات: فإذا لم تؤثر العبادة والطاعة والفريضة في سلوكنا وأفعالنا وأخلاقنا فلنتهم عباداتنا ونياتنا فيها؛ لأن التحلي بالأخلاق الحميدة إنما هو ثمرة العبادات والطاعات المقبولة عند الله (عزّ وجلّ)، وهذا ما قررته آيات القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
ففي جانب الصلاة: يقول الحق تبارك وتعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}[العنكبوت:45]، وكان رجلٌ من الصحابة يقوم الليل فإذا أصبح سرق فاشتكاه الصحابة عدة مرات لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وفي كل مرة يقول: (سَيَنْهَاهُ مَا يَقُولُ)(مسند أحمد).
وفي جانب الزكاة: يقول الحق تبارك وتعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا}[التوبة:103]، ولا ننس أن الزكاة والصدقة المعنوية ما هي إلا أخلاقٌ حميدة، قال (صلى الله عليه وسلم): (تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَأَمْرُكَ بِالمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلَالِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ البَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِمَاطَتُكَ الحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ)(سنن الترمذي).
وفي جانب الصيام: يقول الحق تبارك وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:183]، ومن التقوى التحلي والتمسك بالأخلاق الحميدة، فيقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ وَالجَهْلَ (السفاهة مع الناس)، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ)(صحيح البخاري)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ)(متفق عليه)، ففريضة الصيام مدرسة أخلاقية كبرى.
وفي جانب الحج: يقول الحق تبارك وتعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}[البقرة:197].
كذلك جاءت الفرائض لتربية ملكة التقوى في نفوس أتباع الشريعة الإسلامية، والديانة المحمدية، فالعبادات والطاعات عمومًا فرائض وسنن ونوافل من أهم حكم مشروعيتها، ومن أهم أهداف تشريعها تربية ملكة التقوى في نفوس المتمسكين بها، المؤدين لها، المحافظين عليها، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:21]، والعبادة شرعًا: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، الواجبة والمسنونة، وتشمل أعمال القلوب، وأعمال الجوارح، والأخلاق والقيم والحميدة، فهي لا تقتصر على أركان الإسلام الخمسة، وشعائر الإسلام الظاهرة وحسب، ولكن مفهومها يمتدُّ ويتسع ليشمل الدين كله بجميع شعبه.
انظر، واستمع بقلبك قبل أذنيك، إلى قول الله (عزّ وجلّ): {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًاوَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًاوَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًاإِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًاوَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًاوَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًايُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًاإِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًاوَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًاوَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًاوَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا*وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}[الفرقان:63ـ74]، وانظر إلى ختام تلك الآيات المتحدثة عن صفات عباد الرحمن، وبعض طاعاتهم وعباداتهم لله، انظر إلى دعائهم: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}، مما يدل دلالة صريحة على أن الفرائض والعبادات والطاعات جاءت لتربية ملكة التقوى في نفوس أتباع الشريعة الإسلامية، والديانة المحمدية.
وقال تعالى بعد أن تحدث عن الهدي والذبائح: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}[الحج:37]، وقد تقدمت الإشارة إلى التقوى، عند الكلام عن الصيام والحج، كما يلاحظ كل لبيب فطن.
عباد الله: أقول قولي هذا، واستغفر الله العليّ العظيم لي ولكم، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
الخطبة الثانية
((مقاصد وأهداف خاصة لطاعات وعبادات خاصة))
الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أيها الأحبة الكرام: عشنا مع المقاصد والغايات العامة والكبرى للفرائض والشرائع في شريعتنا الإسلامية الغراء، وبالرغم من هذه المقاصد العامة والغايات الكبرى؛ يجد المتأمل في شرائع وفرائض الدين الإسلامي أن كثيرًا جاءت لأهداف ومقاصد خاصة:
فعلى سبيل المثال: فريضة الصلاة بتوزيعها على ساعات الليل والنهار جاءت مغفرة للذنوب وسترًا للعيوب، قال (صلى الله عليه وسلم): (تَحْتَرِقُونَ، تَحْتَرِقُونَ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْفَجْرَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الظُّهْرَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعَصْرَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْمَغْرِبَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعِشَاءَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَنَامُونَ فَلَا يُكْتَبُ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ حَتَّى تَسْتَيْقِظُونَ)(المعجم الصغير)، (تحترقون) أي: تهلكون من ارتكاب الذنوب، وفعل الخطايا، فكلما صليتم صلاة محت ذنوبكم وخطاياكم كما يمحو الماء الدرن، أو تقعون في الذنوب التي تتسبب في إحراقكم بالنار، ويشهد له قول النبي (صلى الله عليه وسلم): (يُبْعَثُ مُنَادٍ عِنْدَ حَضْرَةِ كُلِّ صَلَاةٍ فَيَقُولُ: يَا بَنِي آدَمَ، قُومُوا فَأَطْفِئُوا عَنْكُمْ مَا أَوْقَدْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَيَقُومُونَ فَيَتَطَهَّرُونَ وَتَسْقُطُ خَطَايَاهُمْ مِنْ أَعْيُنِهِمْ، وَيُصَلُّونَ فَيُغْفَرُ لَهُمْ مَا بَيْنَهُمَا، ثُمَّ يُوقِدُونَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ صَلَاةِ الْأُولَى نَادَى: يَا بَنِي آدَمَ، قُومُوا فَأَطْفِئُوا مَا أَوْقَدْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَيَقُومُونَ فَيَتَطَهَّرُونَ وَيُصَلُّونَ فَيُغْفَرُ لَهُمْ مَا بَيْنَهُمَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الْعَصْرُ فَمِثْلُ ذَلِكَ، فَإِذَا حَضَرَتِ الْمَغْرِبُ فَمِثْلُ ذَلِكَ، فَإِذَا حَضَرَتِ الْعَتَمَةُ فَمِثْلُ ذَلِكَ، فَيَنَامُونَ وَقَدْ غُفِرَ لَهُمْ…فَمُدْلِجٌ فِي خَيْرٍ، وَمُدْلِجٌ فِي شَرٍّ)(المعجم الكبير).
كما أن الصلاة جاءت لتعلمنا احترام الوقت، وتعلمنا تنظيمه، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}[النساء:103]، وقال (صلى الله عليه وسلم) وقد سئل عن أفضل الأعمال: (الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا)(رواه البخاري)، وقد توعد الحق سبحانه وتعالى في قرآنه من يسهون عن الصلاة، ويؤخرونها عن أوقاتها، فقال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}[الماعون:5،4].
كما أن الصلاة جاءت لتعلمنا الانضباط، والالتزام، واحترام النظام العام، قال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا، فَصَلُّوا قِيَامًا، فَإِذَا رَكَعَ، فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ، فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا، فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ)(متفق عليه).
وفريضة الزكاة عموما بكل أنواعها جاءت تطهيرًا للنفس البشرية من أدران البخل والشح، والأنانية، والقسوة القلبية، وتربية للإحساس والشعور بالأخرين، والمواساة…الخ، قال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ، فَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ شَرُّهُ)(المعجم الأوسط).
وجاءت زكاة الفطرة، طهرة للصائم، وجبرًا للخلل والنقصان الذي يعرض لصيامه، وطعمة للفقراء والمساكين، وإغناء لهم عن ذلّ في يوم العيد، فعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ…)(رواه أبو داود).
وجاءت فريضة الصيام؛ لتربية العزيمة والإرادة في نفوسنا، وتعليمًا للتحمل والصبر، والمراقبة لله (عزّ وجلّ)، وضبط النفس والجوارح عمومًا، بالامتناع عن الطعام والشراب والشهوات تلك الساعات الطويلة، ولا رقيب، ولا مطلع علينا إلا الله (عزّ وجلّ)، قال (صلى الله عليه وسلم): (…وَالصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ…)(رواه الترمذي)، وقال سيدنا جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما): (إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ، وبَصَرُكَ، وَلِسَانُكَ، عَنِ الْكَذِبِ، وَالْمَحَارِمِ، وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلَا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاءً)(شعب الإيمان).
وجاءت الأضحية وذبحها، لتذكرنا بسنة الابتلاء، ورحمة الفداء، وصبر سيدنا إبراهيم، وإسماعيل واستسلام سيدنا إسماعيل(عليه السلام)، ورضاهما بأمر الله، وصدق الله إذ يقول: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِوَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُقَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَإِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُوَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍوَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَسَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَإِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}[الصافات:103ـ110].
والجهاد في سبيل الله جاء دفاعًا عن الدين، وصيانة للحرمات والمقدسات أن تنتهك، وحماية للأرض والعرض والأوطان، قال تعالى: {…وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ…}[البقرة:251]، وقال تعالى: {…وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج:40]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ)(رواه الترمذي).
فاللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم اجعل قلوبنا متعلقة بك واشغلنا بإصلاح أنفسنا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب
التعليقات مغلقة.