Take a fresh look at your lifestyle.

خطبة مكتوبة عن حماية الأوطان، وسبل بنائها 3ا د مسعد الشايب

خطبة مكتوبة عن حماية الأوطان، وسبل بنائها د مسعد الشايب وهي خطبة وزارة الأوقاف المصرية، الحمد للله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

أولا: العناصـــر

  1. من حماية الأوطان وسبل بنائها اقتصاديًّا
  2. من حماية الأوطان وسبل بنائها اجتماعيًّا
  3. من حماية الأوطان وسبل بنائها سلوكيًّا

4. الخطبة الثانية (من حماية الأوطان وسبل بنائها فكريًّا وعلميًّا).

ثانيا: الموضـــــوع:

أيها الأحبة الكرام نعم المولى تبارك وتعالى علينا في هذا الكون وهذه الحياة لا تحصى ولا تعد، قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}[إبراهيم:34]

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين؛ المبتدعة والمشركين و الخوارج المرتدين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، إله الأولين و الآخرين، قيوم السماوات والأرضين، وأشهد أن سيدنا محمدا ًعبده ورسوله، وخيرته من خلقه أجمعين، اللهم صل ِعليه، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما ًكثيرا وبعد:ـ

ومن أعظم نعم الله علينا ومن أجلها: أن جعل لنا وطنًا نعيش فيه آمنين مطمئنين، يدرك تلك النعمة من تأمل حال الكثير من البلدان العربية والإسلامية من حولنا، فعن عبيد الله بن محصن الخطمي (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)(رواه الترمذي).

ومن حق الوطن وواجبه علينا: حمايته، والدفاع عنه، فما شرع الجهاد إلا دفاعا عن الدين، والوطن، والأرض، والعرض، وحماية للحرمات والمقدسات أن تنتهك، قال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج:40].
وقد جعل النبي (صلى الله عليه وسلم) العين الساهرة على حراسة الدين والوطن، والأرض والعرض من العيون التي لا تمسها النار أبدًا، فعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)(رواه الترمذي).

وعدّ النبي (صلى الله عليه وسلم) من قتل دفاعا عن أرضه، وعرضه، ووطنه في جملة الشهداء، فعن سعيد بن زيد (رضي الله عنه)، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ، أَوْ دُونَ دَمِهِ، أَوْ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ)(رواه أبو داود).

ومن أعظم أنواع الخيانة: أن يخون انسان وطنه ويتآمر ضده من أجل منفعة مادية، أو مصلحة شخصية، ومن فعل ذلك كان بعيدًا كل البعد عن الدين والإيمان، خائنا لله (عزّ وجلّ)، لأن الله أمرنا بالدفاع والجهاد عن أوطاننا، فقال تعالي: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}[الأنفال:60]، كما أنه يعدّ خائنًا للنبي (صلى الله عليه وسلم)؛ لأنه أمرنا أيضا بحمايتها، فخيانة الوطن، والتآمر ضده خيانة لله(عزّ وجلّ)، ولرسوله (صلى الله عليه وسلم)، وقد نُهينا عن ذلك، فقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنفال:27].

وحماية الأوطان والدفاع عنها لا يقتصر علي مواجهة العدوان والأخطار الداخلية والخارجية وحسب, بل إن ذلك يتطلب منا أيضا العمل على النهوض بها، وبنائها في كافة المجالات والقطاعات، وفي جميع مناحي الحياة:

(1) ((من حماية الأوطان، بناؤها اقتصاديًّا))

وذلك يتمثل أولا في العمل والإنتاج والبناء، فالإسلام يدعو أبناءه إلى العمل والإنتاج والبناء، ويدعوهم أن يكونوا أعضاء مثمرين منتجين فاعلين في مجتمعاتهم، وأوطانهم، وأمتهم، وذلك لا يتحقق إلا بالمشاركة في إعمار أرض الوطن، وتنميتها بالزراعة والتجارة والصناعة وبناء المصانع والشركات المنتِجة، وإقامة المشروعات والمجتمعات الصناعية، التي تلبي حاجات الناس، وهو ما يعرف في شريعتنا الإسلامية بإحياء الموات أي: الانتفاع بالأرض وخيراتها بأي شكل من الأشكال المشروعة، قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[التوبة:105]، وقال تعالي: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}[الملك:15]، وعن سعيد بن زيد (رضي الله عنه)، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ)(رواه أبو داود وبعضه في البخاري).

وبناء الوطن اقتصاديا يتحقق أيضا: بالموازنة بين الاستهلاك والإنتاج وخصوصا في أوقات الشدة والأزمات، فهذا يوسف (عليه السلام) يفسر لأهل مصر رؤيا الملك، ويدعوهم للموازنة بين الاستهلاك والإنتاج في فترة المجاعة التي ستضرب مصر، قال تعالى على لسانه: {تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}[يوسف:47ـ49]، أيضا يتحقق بناء الوطن اقتصاديا بترشيد الإنفاق، والحدّ من الاستهلاك، وعدم الإسراف والتبذير وخصوصا في المصالح والهيئات الحكومية.

وقد أرشدنا القرآن والسنة إلى كل ذلك، قال تعالي: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[الأعراف:31]، وقال تعالى: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا*إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}[الإسراء:27،26]، وعن المقدام بن معد يكرب قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ. بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ)(رواه الترمذي).

وبناء الوطن اقتصاديا يتحقق أيضا: بحسن الإدارة حسن إدارة الوطن، وحسن استثمار موارده، حسن الإدارة في جميع مؤسسات الدولة بحيث لا تولى مؤسسات الدولة إلا للكفاءات، ولا يوضع في المناصب القيادية إلا الأمين، الواعي لما تحت يديه، المدرك لما عليه من أعباء، وهذا هو ما أخرج مصر من مجاعتها زمن يوسف (عليه السلام) قال تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ*قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}[يوسف:55،54]، وعن أبي ذر (رضي الله عنه) قال: قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: (يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا)(رواه مسلم).

فإذا أردنا حماية وطننا، فعلينا بناؤه اقتصاديًا، وهذا لايتأتى إلا بزيادة إنتاجه، وتحويله من مستورد إلى مصدر، ولن يتأتى ذلك إلا بالعمل المثمر الجاد، وبالتنمية العمرانية والبشرية الشاملة، وعلينا بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

(2) ((من حماية الأوطان، بناؤها اجتماعيًّا)

ويتحقق ذلك بالمساواة بين أفرادها، والأخذ بمبدأ المواطنة، لافرق بين مسلم وغيره في الحقوق والواجبات، فالإسلام كَفَلَ حريةَ الاعتقادِ للآخرينَ، ولمْ يُكره أحدًا على اعتناقِه والدخولِ فيه، فقالَ سبحانه: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}[البقرة:256]، وقالَ مخاطبًا النبيَّ (صلى الله عليه وسلم): {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[يونس:99].

كما أن الشريعة الإسلامية قد تكفّلت بحفظ وحماية أرواحهم، وأموالهم، وأعراضهم، فعن عبد الله بن عمرو (رضي الله عنهما)، عن النبي (صلى الله عليه وسلم قال): (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا)(رواه البخاري)، وعن خالد بن الوليد (رضي الله عنه) قال: غزوت مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خيبر، فأتت اليهود فشكوا أن الناس قد أسرعوا إلى حظائرهم فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (أَلَا لَا تَحِلُّ أَمْوَالُ الْمُعَاهَدِينَ إِلَّا بِحَقِّهَا…)(رواه أبو داود).

كما أن الشريعة الإسلامية حرّمت الاعتداء عليهم، واضطهادهم، وإيذائهم، ومنحهم حقّ ممارسة شعائر دينهم في بيوتهم وأحيائهم، ودور عبادتهم بشرط ألا يؤذوا مشاعر المسلمين، أو ينالوا من الإسلام بسوء، فعن عدة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)(رواه أبو داود).

وبناء الوطن اجتماعيا يتحقق أيضًا: بتحقيق العدالة بين الناس جميعا بغض النظر عن معتقداتهم كما أرشد القرآن الكريم، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}[النساء:58]، وقال تعالي موجهًا ومرشدًا للنبي (صلى الله عليه وسلم) وللأمة من بعده ـ وقد همّ أن يجادل ويدافع عن طعمة بن أبيرق ـ ألا يجادل ويدافع عن الخائنين، ولو كانوا على الإسلام، و لو كان ذلك في مقابلة غير المسلمين: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًاوَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًاوَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا}[النساء:105ـ107].

وبناء الوطن اجتماعيا يتحقق أيضًا: بالمعايشة بين جميع أفراده، وبالعمل المشترك بينهم لرفعة هذا الوطن، ودرأ الأخطار التي تهدده داخليا وخارجيا، بغض النظر عن معتقداتهم وألوانهم، قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الممتحنة:8]، وقال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة:2]، وها هو النبي (صلى الله عليه وسلم) يضع معاهدة الدفاع المشترك عن المدينة بينه وبين بقية الطوائف التي كانت تسكن المدينة من اليهود، ومشركي العرب بعد هجرته (صلى الله عليه وسلم) بصفته حاكما ورئيسا للمسلمين.

إن بناء الأوطان اجتماعيا ضرورة شرعية ووطنية لابد منها، حتى لا يتسرب أفراد الوطن إلى أعدائه، وحتى لايكونوا معول هدم لأوطانهم كما نري الآن، ولكى نضمن ولاءهم لوطنهم، فما اخترق أعداء الوطن ضمائر بعض أفراد الوطن إلا بالتركيز على غياب بعض قضايا العدالة والبناء الاجتماعي.

(3) ((من حماية الأوطان، بناؤها سلوكيًّا))

وذلك يتحقق بالتمسك بالقيم والأخلاق، والدعوة إلى التمسك بها في وسائل الإعلام المختلفة، وفي المناهج التعليمية، فما أرسل نبينا (صلى الله عليه وسلم) إلا ليتمم البناء الأخلاقي الذي جاء به الأنبياء والمرسلون من قبله، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه)، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ)(مسند أحمد).

ومن البناء السلوكي الذي يحمي الأوطان: عدم ترديد الشائعات التي تهدف إلى زعزعة أمنه، وضرب استقراره، وتؤجج الصراعات بين أفراده، فقد أمرنا القرآن الكريم بالتثبت عند رواية الأخبار فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[الحجرات:6]، وعن المغيرة بن شعبة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ: عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ)(متفق عليه).

وجعلت الشريعة الإسلامية قول الخير، والصمت عن الشر من علامات الإيمان بالله ومن كماله، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (…وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)(رواه البخاري)، وعن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ…)(المسند لأحمد).

وجعلت الشريعة الإسلامية ترديد الإشاعات إثم عظيم، ومن علامات النفاق، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ)(رواه أبو داود)، وعن أبي هريرة (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)(متفق عليه)، وعن علي (رضي الله عنه) قال: (لَا تَكُونُوا عُجُلاً مَذاييعَ بُذُرَاً، فَإن مِن وَرائِكُم بَلاءً مُبْرَحَاً)(الأدب المفرد)، فمحاربة الشائعات واجب ديني ووطني.

ومن البناء السلوكي الذي يحمي الأوطان: عدم السخرية والاستهزاء بالآخرين، وخصوصا من غير المسلمين: قال تعالي: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[الحجرات:11]، وقال تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}[الهمزة:1]، وقد عدّ النبي (صلى الله عليه وسلم) ذلك نوعا من أنواع الكبر، فعن ابن مسعود (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ). فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة. قال: (إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ)(رواه مسلم).

وقد بلغ من نتانة الكلمة الواحدة في السخرية بالآخرين، والاستهزاء بهم أن لو خلطت بماء البحر لأنتنته، فعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: قلت للنبي (صلى الله عليه وسلم): حسبك من صفية كذا وكذا، تعني قصيرة، فقال: (لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ). قالت: وحكيت له إنسانا، فقال: (مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ إِنْسَانًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا)(رواه أبو داود).

ومن البناء السلوكي الذي يحمي الأوطان: الأخذ بالعفو والصفح، والرفق، والحلم، واللين، وعدم الفحش: وإن كان الحق لنا ومعنا، فقد كره النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يجيب اليهود بالرغم من بذاءتهم معه (صلى الله عليه وسلم)، فعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: أتى النبي (صلى الله عليه وسلم) أناس من اليهود فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم. قال: (وَعَلَيْكُمْ). قالت عائشة: قلت: بل عليكم السام والذام. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (يَا عَائِشَةُ لَا تَكُونِي فَاحِشَةً). فقالت: ما سمعت ما قالوا؟ فقال: (أَوَلَيْسَ قَدْ رَدَدْتُ عَلَيْهِمِ الَّذِي قَالُوا، قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ)(رواه مسلم) وفي رواية عنها، إنه (صلى الله عليه وسلم) قال: (وَإِنَّا نُجَابُ عَلَيْهِمْ وَلَا يُجَابُونَ عَلَيْنَا)(رواه مسلم).

ورفض النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يقتل اليهودية التي وضعت له السّم في ذراع الشاة، فعن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن امرأة يهودية أتت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بشاة مسمومة: فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فسألها عن ذلك، فقالت: أردت لأقتلك، فقال: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَلِكَ) أو (عَلَيّ). فقالوا: ألا نقتلها؟ قال: (لَاَ). فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله (صلى الله عليه وسلم). (رواه البخاري واللفظ لأبي داود)، وعن عائشة (رضي الله عنها) أنها قالت: للنبي (صلى الله عليه وسلم) لما سحره لبيد بن الأعصم (يهودي من بني زريق) ورفع الله عنه هذا السحر: يا رسول الله أفلا أحرقته؟. قال: (لَا أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي اللهُ، وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا، فَأَمَرْتُ بِهَا فَدُفِنَتْ)(اللفظ لمسلم)، ولما قال عبد الله بن أبي ابن سلول: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. قال عمر (رضي الله عنه): ألا نقتل يا رسول الله هذا الخبيث؟. فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (دَعْهُ، لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ)(متفق عليه).

ومن البناء السلوكي الذي يحمي الأوطان: المجادلة بالحسنى وخصوصا مع غير المسلمين، فالمجادلة بغير الحسني تثير الأحقاد، وتؤجج الصراعات والفتن، وتنشر الكراهية والبغضاء، وتؤدي إلى تدمير الوطن، قال تعالي: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[العنكبوت:46]، وقال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[النحل:125].
ومن البناء السلوكي الذي يحمي الأوطان: عدم التشكيك في القيادات، والمسئولين كماحدث من ذو الخويصرة مع النبي (صلى الله عليه وسلم) في غزوة حنين، كما يكون بالمحافظة علي أسراره الداخلية, وعدم التعامل مع أعداء الوطن, أو من يريدون هدمه، إن بناء الأوطان سلوكيا ضرورة شرعية ووطنية لابد منها لقيام الأوطان وحمايتها، وصدق أمير الشعراء حينما قال:
وإنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت … فإن همُ ذهبت أخلاقُهم ذهبوا

عباد الله: أقول قولي هذا، واستغفر الله العليّ العظيم لي ولكم، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة…الخ

الخطبــــة الثانيـــــــة

((من حماية الأوطان وسبل بنائها فكريًّا وعلميًّا))

الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمن أطاعه جنات النعيم، وسعّر لمن عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لاإله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، اللهم صلّ عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

من حماية الأوطان، بناؤها فكريا وعلميا: وذلك يتحقق بمناهضة كل فكر مغشوش, واحتضان كل فكر، وكل علم في أي مجال من المجالات يهدف إلى رفعة الوطن وتقدمه، والتعليم هو عصب وأساس تقدم ورقي أي أمة من الأمم، ولم ترتق حضارة من الحضارات القديمة ولا الحديثة إلا بالتعليم، وجاء الإسلام بحضارته وحث علي العلم، وجعله أحد نعم الله على الإنسان، فقال في صدر أول سورة نزل من كتابه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍاقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُالَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِعَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[العلق:1ـ5]، وأقسم سبحانه بأداة من أدوات الكتابة، فقال سبحانه: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}[القلم:1]، وخاطب سبحانه النبي (صلى الله عليه وسلم) آمرا إياه بالاستزادة من العلم فقال سبحانه: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}[طه:114]، وعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: (كَانَ نَاسٌ مِنَ الْأَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِدَاءٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِدَاءَهُمْ أَنْ يُعَلِّمُوا أَوْلَادَ الْأَنْصَارِ الْكِتَابَةَ…)(مسند أحمد)، فالنهوضُ بالتعليم وتطويرهُ ضرورة شرعية ووطنية، كيف لا؟

والمسلمون يوم أن سادوا هذه الأرض؛ سادوها بالعلم والرقي الفكري والأخلاقي، فانتشرت الاختراعات، والمكتشفات الحديثة، وتخلدت أسماء علماء ومفكرين إسلاميين سطروا بعلمهم وفكرهم نظريات وفرضيات علمية كان لها الأثر الكبير في ظهور النهضة الحديثة، النهوض بالتعليم ضرورة شرعية ووطنية، كيف لا؟ وهو أساس القوة الاقتصادية، والعسكرية، والاجتماعية…الخ، والله عز وجل يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال:60]، النهوض بالتعليم ضرورة شرعية وطنية، كيف لا؟ وبه تصنع الحضارة وبغيره تدمّر وتُهزم.

إن بناء الوطن، والنهوض به منظومة كبيرة تحتاج من الجميع أن يتكاتف ويتشارك مع الآخرين في تدويرها فإذا دارت هذه المنظومة سهل بعد ذلك تحريكها، أما إذا ركن كل إنسان للآخر وقال: هذا لا يعنيني، وهذا ليس من مسئوليتي، فإن الدمار سيلحق بنا جميعا، قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الأنفال:25]، نحن في سفينة واحدة إذا نجت نجونا جميعا ً وإذا أصابها عطب أو غرقت نغرق جميعاً ـ نعوذ بالله تعالى ـ من ذلك فيجب أن نتعاون جميعاً من أجل النهضة بهذا الوطن المبارك.

أسأل الله تعالى لي ولكم السداد والتوفيق اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

كتبها أبو رفيدة
الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب

التعليقات مغلقة.